إجزال العطاء لرجال القضاء :

===================

يُعد مبدأ “إجزال العطاء لرجال القضاء ” ركيزة أساسية لضمان نزاهة واستقلالية القضاء وتحقيق العدالة في أي مجتمع. ويعني إجزال العطاء تقديم الدعم المادي والمعنوي لرجال القضاء ، بما في ذلك الرواتب المجزية والمزايا الاجتماعية والتدريب المستمر، وذلك تقديرًا لدورهم الحيوي في المجتمع وحساسية مهامهم.

وفي ليبيا، شهد مبدأ إجزال العطاء لرجال القضاء تطورًا ملحوظًا، توج بإصدار قانون المعاملة المالية لأعضاء الهيئات القضائية رقم 5 لسنة 2024 عن مجلس النواب الليبي ، الذي يمثل خطوة جديدة نحو تعزيز مكانة القضاء وتحقيق العدالة.

* مساعٍ حثيثة لتحسين أوضاع القضاة :

لم يكن قانون المعاملة المالية لاعضاء الهيئات القضائية وليد اللحظة، بل جاء بعد مساعٍ حثيثة من قبل العديد من الجهات المعنية، ابتداء بقرار رقم 521 لسنة 2013 م بزيادة مرتبات أعضاء الهيئات القضائية الصادر عن مجلس الوزراء ، وكذلك القرار رقم 36 لسنة 2014 باعادة النظر في مرتبات أعضاء الهيئات القضائية الصادر عن الموتمر الوطني العام والذي يؤكد على قرار مجلس الوزراء ، وكذلك الدور الأساسي لرئيس واعضاء مجلس النواب في اللجنة التشريعية والدستورية ومساعي المجلس الأعلى للقضاء .

* مواكبة التغيرات الاقتصادية :

لم يكتفِ القانون الجديد بإقرار الترتيب الوارد في جدول المرتبات الصادر عن مجلس الوزراء في عام 2013، بل واكب التغيرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد. وينص القانون على زيادة مرتبات أعضاء الهيئات القضائية وفقًا لجدول مرفق به، يوضح الزيادات المقررة لكل درجة وظيفية، ويشمل :

– تصنيف الدرجات الوظيفية : يشمل الجدول عشر درجات وظيفية، بدءًا من رؤساء محاكم الاستئناف والمحامين العامين ورؤساء الإدارات من الفئة (أ) وصولًا إلى معاوني النيابة والمحامين تحت التمرين والباحثين القانونيين.
– بداية المرتب بعد الزيادة : يحدد الجدول بداية المربوط لكل درجة وظيفية بعد الزيادة المقررة، والتي تتراوح من 6,800 دينار إلى 13,600 دينار.
– قيمة العلاوة السنوية : يحدد قيمة العلاوة السنوية التي تضاف إلى مرتب القاضي لكل سنة من سنوات خدمته.

– الحد الأدنى للترقية : يوضح الجدول الحد الأدنى لسنوات الخدمة المطلوبة للترقية إلى الدرجة الوظيفية الأعلى.

* من الذاكرة :

أتذكر جيدًا عندما كنت طالبًا في جامعة عمر المختار (جامعة طبرق حاليًا)، وكيف أثارت حيرتي بعض القيود المفروضة على القضاة، مثل منعهم من المشاركة السياسية وممارسة الأعمال التجارية او القيام باي عمل الا بالموافقة ، بالرغم من أن ذلك قد يؤثر على مستواهم المادي. وعندما طرحت هذا السؤال على أستاذي البروفيسور فايز احمد عبد الرحمن رحمه الله، أجابني ببساطة: “المبدأ هو إجزال العطاء للقضاة”.

وأوضح لي الدكتور أنه في حال عدم توفير الدعم المادي والمعنوي الكافي للقضاة، ستنتشر الرشوة وسيفقد المجتمع ثقته في نظام العدالة.

* أهداف القانون وأثره المتوقع :

واليوم، أرى أن قرار زيادة مرتبات القضاة هو خطوة في الاتجاه الصحيح لتطبيق هذا المبدأ الهام. ومن المتوقع أن يسهم هذا القانون في تحقيق عدة أهداف، منها :

تحسين الوضع المادي للقضاة ، جذب الكفاءات ، تعزيز النزاهة والاستقلالية ، حماية القضاة من الوقوع في براثن الفساد وضمان حياديتهم واستقلالهم ، رفع مستوى الأداء القضائي .

ونشير إلى أن قانون رقم 18 لسنة 2023 م بإصدار قانون مرتبات الموظفين الوطنيين بالجهات الممولة من الخزانة العامة وتقرير بعض الأحكام وتعديلاته ، قد استثنى في مادته الاولى ” أعضاء وموظفي السلطة التشريعية والجهات الخاضعة لإشراف ديوانه، وأعضاء الهيئات القضائية والمحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء ”

—————————-
* القضاء العسكري : معاملة مماثلة

—————————-

ينص قانون رقم 18 لسنة 2023 م بإصدار قانون مرتبات الموظفين الوطنيين بالجهات الممولة من الخزانة العامة على استثناء أعضاء الهيئات القضائية والمحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء من أحكامه.

و تجدر الإشارة إلى أن القضاء العسكري يعامل بنفس معاملة القضاء المدني فيما يتعلق بالمزايا المالية، وذلك وفقًا للمادة 23 من قرار رقم 15 لسنة 2000 م بتنظيم الهيئة العامة للقضاء في الشعب المسلح، والتي تنص على أن “يتمتع العاملون بالهيئة العامة للقضاء بالشعب المسلح بذات المزايا المقررة لنظرائهم العاملين بالهيئات القضائية”.

ويؤكد هذا التوجه على أهمية توفير الدعم اللازم لكافة أجهزة القضاء لضمان تحقيق العدالة في جميع المجالات ، والمدعي العام العسكري والهيئة العامة للقضاء العسكري ، أهم ركائز القضاء العسكري في القوات المسلحة العربية الليبية .

في الختام، إجزال العطاء لرجال القضاء ليس مجرد مبدأ نظري، بل هو ضرورة عملية لضمان نزاهة واستقلالية القضاء، وحماية حقوق المواطنين، وتحقيق العدالة في ليبيا .