قانون العفو العام في ليبيا
===============

أصدر مجلس النواب الليبي مؤخراً قانوناً جديداً يوسع نطاق العفو العام ليشمل الجرائم المرتكبة قبل عام 2011، إلا أن هذا التعديل يثير بعض المخاوف، وخاصة فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة من عائلة القذافي وأعوانه.

فهل هذه المخاوف حقيقية ؟

شهدت قوانين العفو العام في ليبيا تطوراً ملحوظاً ، حيث اتجهت نحو توسيع نطاق العفو ليشمل المزيد من الجرائم والأشخاص والازمنة .. اليكم سرد تاريخي وتعليق حول التغييرات في قوانين العفو العام في ليبيا من الثورة الليبية 2011 حتى 2024 :

1. قانون رقم 35 لسنة 2012 وتعديلاته :

 

صدر هذا القانون في بداية المرحلة الانتقالية بعد الثورة الليبية عام 2011.
هدف القانون إلى تحقيق المصالحة الوطنية وتجاوز آثار الماضي ، و شمل العفو بعض الجرائم المرتكبة قبل نفاذ القانون أي قبل ثورة فبراير ، مع استثناءات كثيرة، على سبيل التحديد والحصر والتي اوردت في المادة (1) : جرائم عائلة القذافي وأعوانه، وجرائم الحدود، والخطف، والتعذيب، والمواقعة بالقوة، وجرائم المخدرات، وتسميم المياه أو المواد الغذائية.

اشترط القانون لعفو العقوبة في المادة (2) منه شروطاً محددة، مثل رد الأموال المختلسة في جرائم اختلاس المال العام، والتصالح مع المجني عليه، وإعلان التوبة.


2. قانون رقم 6 لسنة 2015:

صدر هذا القانون بعد انتخاب مجلس النواب في عام 2014 ، وألغى قانون رقم 35 لسنة 2012 وتعديلاته .
حيث أعلن هذا القانون في المادة (1) عن عفو عام عن جميع الليبيين الذين ارتكبوا جرائم خلال الفترة من 15 فبراير 2011 وحتى صدور القانون، وقد يتبين ان العفو قد شمل عائلة القذافي وأعوانه . ولكنه في الواقع لم يشمل الجرائم التي ارتكبت في الفترة التي حكموا فيها .
اشترط القانون للعفو من العقوبة في المادة (2) منه شروطاً محددة، مثل رد الأموال المختلسة في جرائم اختلاس المال العام، والتصالح مع المجني عليه، وتسليم الأسلحة أو الأدوات محل الجريمة ، إعادة الشيء إلى أصله في جرائم الاعتداء على العقارات والممتلكات المنقولة ، وإعلان التوبة.

استثنى القانون في المادة (3) بعض الجرائم الخطيرة من العفو، على سبيل الحصر : جرائم الإرهاب، وجرائم المخدرات، وجرائم الاغتصاب، وجرائم القتل على الهوية، والاختطاف، والتعذيب، وجرائم الحدود، وجرائم الفساد.


3. قانون رقم 4 لسنة 2024 م بشأن تعديل أحكام القانون رقم 06 لسنة 2015 م بشأن العفو العام :

صدر أخيراً تعديلٌ للقانون المذكور، وقد اقتصر على الجانب الزمنيّ فقط ، والذي قد وسع نطاق الفترة الزمنية للعفو العام ليشمل الجرائم المرتكبة قبل عام 2011 ، وبذلك قد شمل العفو جميع الليبيين وشمل عائلة القذافي واعوانه وحتى الفترة التي حكموا فيها البلاد .

الا ان هذا القانون لم يعفيهم لا هُم ولا غيرهم من الجرائم الخطيرة ، والتي قد حددها بجرائم الإرهاب وجرائم المخدرات، وجرائم الاغتصاب، وجرائم القتل على الهوية، والاختطاف، والتعذيب، وجرائم الحدود، وجرائم الفساد.

وعند العودة للنظر وفهم تلك الجرائم الخطيرة التي لا عفو فيها ، ستجد أن لها قوانين خاصة تُعرِفها و تُوضِحها و تُجرِمها بشكل مُوسع ، فعلى سبيل المثال جرائم الفساد ، فهي وإن كانت قد ذُكِرت في القانون بكلمة واحدة ( جرائم الفساد بجميع أنواعه ) إلى أنها تشمل كافة الجرائم الاقتصادية ، بما فيها غسيل الأموال و جرائم إساءة استعمال الوظيفة أو المهنة والوساطة والمحسوبية ، و يُجرمها أيضًا قانون ( من أين لك هذا ) وقانون التطهير ، وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة الفساد والتي لن يعارضها أي قانون باعتبار أن لها الأولوية في التطبيق ، وقس على ذلك .

و الجدير بالذكر أن حق الرد وطلب التعويض مكفول للجميع ، ولا يغل هذا القانون ايضًا الجهات الإدارية من اتخاذ أي إجراءات تأديبية بحق الموظفين المخالفين .


* ومع ذلك انقسم الليبيين الى ثلاثة فئات :

– الفئة الاولى : ترى أن توسيع نطاق العفو العام ليشمل الجرائم المرتكبة قبل عام 2011 قد يؤدي إلى إفلات بعض المجرمين من العقاب، وخاصة أفراد عائلة القذافي واعوانه ، من منطلق عدم التصالح معهم بسبب ما وصلت اليه البلاد ، ويرجعون الأمور وما نحن فيه إلى فترة حكمهم .
– الفئة الثانية : هم أولياء الدم وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ، الذين يرون أن القانون لا يحقق العدالة لهم، وقد افلت من ارتكب الجرائم في حقهم من العقاب ، وسيكون القصاص والانتقام بعد عودة الهاربين من الخارج أو خروجهم من السجون .

– الفئة الثالثة : ترى أن هذا التعديل له أبعاد سياسية يرجى من ورائها إعادة بعض الاشخاص الى الحياة السياسية وإنهاء ملاحقتهم الجنائية ، ليتمكنوا من المشاركة السياسة في الانتخابات وإقامة التحالفات معهم للحكم مرة اخرى .


* الا اننا نرى ان هذا القانون وتعديلاته ; له ايجابيات وسلبيات :

فمن ناحية الايجابيات ; فهو قد عالج مسألة تتعلق بجرائم اخرى بقي على اثرها الآلاف من الليبيين في السجون , وهم يستحقون فرصة أخرى ، والعمل على دمجهم في الحياة مع تعليقها بالشروط المذكورة سابقا وتقييدها بجزاء اعادتهم للنقطة التي توقفت فيها عقوباتهم وإعادتهم إلى ما كانوا عليه ، وهذا في حال ارتكبوا جناية عمدية خلال خمس سنوات .

أما من ناحية السلبيات ; إن اختيار هذا الوقت ليس مناسبًا للنظر في قوانين تتعلق بمن آذوا الليبيين وان كان يتعلق بمسار العدالة الانتقالية ، لأنه يتخلل توقيت انتخابات سياسية مقبلة ، واما ان كان يتعلق باعادة دمج المدانين في السجون او الفارين فوجب اقترانه ببرامج اعادة التأهيل مع القدرة على حمايتهم . وتحقيق التوازن بين المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة للضحايا .

انتهى …