الجرائم الالكترونية في ليبيا :
===============

مع التطور التقني المتسارع وزيادة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا، تُطرح تساؤلات جديدة حول خصوصية الأفراد وسلامتهم في الفضاء الإلكتروني . لا سيّما في المجتمع الليبي الذي تحظى فيه القيم الاسلامية والتقاليد والعادات بمكانة خاصة، فأي جريمة إلكترونية تُهدد هذه القيم تُلحق ضررًا كبيرًا بالأفراد وتُهدد نسيج المجتمع وتماسكه.

وفي ظل هذا التطور الإلكتروني، ظهرت أشكال جديدة من الجرائم التي تُرتكب في الأوساط التقنية، والتي يصعب التعامل معها بموجب القوانين التقليدية.

لذلك، صدر قانون رقم 5 لسنة 2022 م بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، والذي يُعتبر تطورًا هامًا في التشريع الليبي. فهو لا يكتفي بتجريم الأفعال التقليدية، بل يشمل أيضًا الأفعال التي تتم عبر الإنترنت ووسائل التقنية الحديثة.

* تجريم الأفعال الإلكترونية .
——————–

فقد عرف القانون الجريمة الالكترونية بأنها : كل فعل يرتكب من خلال استخدام أنظمة الحاسب الآلي أو شبكة المعلومات الدولية أو غير ذلك من وسائل تقنية المعلومات بالمخالفة لأحكام هذا القانون .

واعتبر استخدام شبكة المعلومات الدولية ووسائل التقنية الحديثة مشروعة ما لم يترتب عليه مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة أو الإساءة إلى الآخرين أو الإضرار بهم.

حيث تضمن قانون رقم 5 لسنة 2022 مجموعة من المواد التي تهدف إلى تنظيم استخدام الإنترنت ووسائل التقنية الحديثة، وحماية الأفراد من الانتهاكات والجرائم التي قد تُرتكب عبرها.

نعرض هنا بعض المواد الأساسية التي تسلط الضوء على كيفية معالجة التشريع لهذه الجرائم الإلكترونية، وضمان حماية الخصوصية والنظام العام .

المادة 10 | التأثير في النظام الإلكتروني : تجرم هذه المادة الوصول غير المشروع إلى بيانات الأفراد الشخصية أو حساباتهم الإلكترونية، بما في ذلك سرقة كلمات المرور أو اختراق الحسابات، بغرض الإضرار بهم. وهذا يشمل سرقة هوية أي شخص على الإنترنت أو الوصول إلى معلوماته الخاصة بغرض الابتزاز أو التشهير.

المادة 12 الدخول غير المشروع : تجرم هذه المادة الدخول إلى أجهزة أو أنظمة الحاسب الآلي الخاصة بالأفراد دون إذنهم، بما في ذلك اختراق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني. وهذا يشمل اختراق حسابات أي شخص على وسائل التواصل الاجتماعي بغرض التجسس عليه أو نشر معلومات خاصة عنه دون إذنه .

المادة 22 | مضايقة الغير : تجرم هذه المادة مضايقة الأفراد عبر الإنترنت أو بأي وسيلة إلكترونية أخرى بقصد إشباع رغبة جنسية. وهذا يشمل إرسال رسائل أو صور ذات طبيعة جنسية غير مرغوب فيها، أو ملاحقة الأفراد عبر الإنترنت بشكل متكرر ومزعج .

المادة 47 | التصنت غير المشروع : تجرم هذه المادة التجسس على اتصالات الأفراد عبر الإنترنت دون إذنهم. وهذا يشمل حماية خصوصية جميع الأفراد ومنع التجسس عليهم أو تسجيل مكالماتهم دون علمهم .
ملاحظة :

و أود الإشارة إلى أنه لم يوفق المشرع في اختيار كلمة التصنت ، فالصحيح هو التنصت وهو يقع بنية استراق السمع . فبالنظر إلى لغتنا ثم لهجتنا لا نعتبر التصنت جريمة ، بلا اعلى درجة من درجات السمع.

* تطبيق قانون العقوبات والقوانين المكملة .
——————–

المادة 49 | تطبيق قانون العقوبات والقوانين المكملة : تهدف هذه المادة إلى ضمان عدم وجود فجوات في الحماية القانونية للأفراد من الجرائم التي ترتكب باستخدام وسائل تقنية المعلومات .

كيف ذلك؟

1. تطبيق قوانين أخرى : لو ارتكب شخص جريمة باستخدام الإنترنت، مثل سرقة أموال من حساب مصرفي عبر الإنترنت، فإن قانون العقوبات الليبي ( الذي يجرم السرقة ) سيطبق عليه ، بالإضافة إلى أي عقوبات إضافية موجودة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

2. العقوبة الأشد : إذا كانت العقوبة المذكورة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أشد من العقوبة المذكورة في قانون العقوبات، فسيتم تطبيق العقوبة الأشد. مثلاً، لو نشر شخص شائعات كاذبة عن شخص على الإنترنت بقصد تشويه سمعته، فإن جريمة التشهير معاقب عليها في كلا القانونين.
لكن، إذا كانت عقوبة التشهير في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أشد (مثلاً السجن لمدة أطول)، فسيتم تطبيق هذه العقوبة.

* الجهة المخولة – الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات – NISSA .
——————–

تُحدد المادة 52 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الجهة المخولة بتعيين مأموري الضبط القضائي في هذا المجال. وتقع هذه المسؤولية على عاتق رئيس مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح من الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات – NISSA.

* طرق الإبلاغ الجرائم الإلكترونية .
——————–

– أنا كمواطن، وقعت عليّ جريمة أو علمت بجريمة … ماذا أفعل؟

يقع على عاتق كل مواطن واجب التبليغ عن الجرائم الإلكترونية، سواء كانت موجهة ضده شخصيًا أو ضد الغير.

يمكنك التبليغ عن الجرائم الإلكترونية عبر عدة طرق :

مراكز الشرطة : توجه لأقرب مركز شرطة وقدم بلاغك شفهيًا أو كتابيًا.
النيابة العامة : يمكنك التوجه مباشرةً إلى النيابة العامة لتقديم بلاغك.
الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات – الجهة المخولة : يمكنك التواصل مع الهيئة عبر موقعها الإلكتروني أو الهاتف أو البريد الإلكتروني.

– نصائح عند التبليغ :

وثق جميع التفاصيل : تاريخ ووقت الحادثة، أسماء الحسابات المستخدمة، نصوص الرسائل، روابط المواقع، وغيرها.

احتفظ بالأدلة: لا تحذف الرسائل أو الصور أو مقاطع الفيديو المتعلقة بالجريمة.

قدم معلوماتك الشخصية بشكل صحيح: اسمك، رقم هاتفك، وعنوانك.

* النقد الموجه الى قانون رقم 5 لسنة 2022 م بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية .
——————–

بالرغم من أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الليبي رقم 5 لسنة 2022 يمثل خطوة هامة نحو تنظيم الفضاء الإلكتروني ومكافحة الجرائم، إلا أنه يمكن نقد بعض جوانبه فيما يتعلق بالتوازن في حماية الأفراد والجهات الرسمية.

1. عدم التناسب في بعض العقوبات :

تشديد العقوبة في بعض الجرائم عند المساس بالجهات الرسمية: نلاحظ في بعض المواد تَشديدًا للعقوبة عندما تستهدف الجريمة جهة رسمية، بينما تبقى أخف عند استهدافها للأفراد.

2. حماية غير كافية للأطفال والنساء :

بالرغم من وجود بعض المواد التي تجرم استغلال الأطفال أو التحرش بالنساء عبر الإنترنت، إلا أن البعض يرى أنها غير كافية ولا تغطي جميع أشكال العنف الإلكتروني التي قد يتعرضون لها.

3. التركيز على أمن الدولة على حساب الحريات الفردية:
صياغة فضفاضة لبعض المواد: تُنتقد صياغة بعض المواد ل كونها فضفاضة وعامة، مما يُتيح تفسيرها بشكل واسع يُقيد الحريات الفردية على الإنترنت.

في الختام، يُعد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات خطوة هامة نحو حماية المجتمع الليبي من مخاطر الفضاء الإلكتروني. ولكن تبقى فاعلية القانون مرتبطة بوعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، وتعاونهم مع الجهات المختصة في التبليغ عن الجرائم وملاحقة الجناة.